الأحد، 9 ديسمبر 2012

الفضول في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم


مقدمة :

بعد نجاح دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وتوحيد الشعوب المتباعدة في شبه الجزيرة العربية وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله عز وجل وحده , وبعد تخليص روح البشر من الوهم والخرافة , والعبودية والرق , والقذارة والانحلال , وتخليص المجتمع الإسلامي من الظلم والطغيان والتفكك والانهيار , وتمت الدعوة وبُلَغت الرسالة وبُني مجتمع على أساس إثبات الألوهية , بدأت طلائع توديع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياة والأحياء تظهر في أفعاله وأقواله , حيث أنه اعتكف في رمضان من سنة 10 هـ عشرون يوماً بينما كان لا يعتكف إلا عشراً , وتدارسه جبريل القرآن مرتين , وأنزلت عليه سورة النصر في أوسط أيام التشريق , فعرف أنه نعيت إليه نفسه.

فصل :

في أوائل شهر صفر من سنة 11 هـ , خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد , فصلى على الشهداء , وخرج ليلة في منتصف صفر إلى البقيع فاستغفر لهم وقال : "ليهن عليكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه , أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها , الآخرة شر من الأولى" صحيح البخاري .

في التاسع والعشرين من شهر صفر عام 11 هـ وبعد عودته صلى الله عليه وسلم من جنازة بالبقيع , بدأت علامات المرض تظهر عليه فاتقدت حرارته وأخذ الصداع رأسه .

ثقل المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن نسائه ليُمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فأذنًّ له , فكانت عائشة تقرأ المعوذات والأدعية التي حفظتها من النبي وتنفث في يده وتمسح بيده على جسده طلباً بالبركة .

اشتدت عليه حرارة العلة في بدنه الشريفة وذلك قبل خمسة أيام من وفاته , فصبوا عليه الماء صباً , حتى أحس بخفة فقام إلى المسجد حتى جلس على المنبر وخطب بالناس وعرّض نفسه للقصاص قائلاً : "من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه , ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليسقد منه" – وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك - .

وبعد ما صلى الظهر صعد المنبر وخطب في الناس واستوصى بالأنصار خيراً ثم قال مقولته الشهيرة : "إن عبداً خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده" , فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال "فديناك بآبائنا وأمهاتنا" , فعجب له الناس وقالوا ما باله يقول الرسول إن عبداً خيره الله بكذا ويقول فديناك بآبائنا ! , حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي , لاتخذت أبا بكر خليلاً , ولكن أخوة الإسلام ومودته" , وأمر بإغلاق جميع الأبواب المؤدية للمسجد إلا باب أبي بكر تشريفاً له .

في يوم الخميس من ربيع الأول , زاد ثقل المرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان عليه السلام يصلي بالناس جميع صلواته إلى هذا اليوم , فلم يستطع الخروج لصلاة العشاء , فأمر أبا بكر ليصلى بالناس .

قبل الوفاة بيوم أو يومين وجد النبي في نفسه خفة فخرج بين رجلين لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس , فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر وقال : " أجلساني إلى جنبه " فكان أبو بكر على يمين النبي يقتدي بصلاته ويسمع الناس التكبير , أي تحول من إمام إلى مأموم ويستدل بهذا الحديث في هذا التحول .

في آخر يوم من حياته صلى الله عليه وسلم وبينما المسلمين يصلون الفجر خلف أبا بكر , كشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر حجرة عائشة فنظر إلى المسلمين في صفوفهم وتبسم يضحك , وظن الناس أن الرسول سيخرج للصلاة بهم فنكص أبو بكر لكن الرسول أشار إليهم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر .

وكانت صلاة الفجر في يوم الاثنين هذه آخر صلاة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما اشتد الضحى ذاك اليوم زاد ثقل المرض وكان نبي الله يحتضر وهو في بيت عائشة وفي يوم عائشة وبين سحر عائشة ونحرها , ويستاك كأحسن ما استاك بسوالكٍ لينته له عائشة أم المؤمنين بريقها , وكان بين يدي الرسول عليه السلام ركوة من ماء فجعل يدخل يديه فيها ويسمح بها وجهه ويقول : "لا إله إلا الله , إن للموت سكرات" .

وبعد فراغه من السواك , رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده أو إصبعه وشخّص بصره نحو السقف , وتحركت شفتاه فأصغت له عائشة " مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى , اللهم الرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى " ومالت يده وانتقل إلى جوار ربّه 

ختم :

لعلّنا في ختامِ هذه الرسالة أن نكون وُفّقنا في نقل جزء يسير من سيرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين , المبعوث رحمةً للعالمين .
ولعّل القارئ يستدرك عِظَم ما ختم نبي الله – عليه السلام – رسالته الدعوية وخطبه البلاغية , فقد أوصى – صلى الله عليه وسلم – شديد الوصاية بالنساء , والرفق بهم ووصفهم بالقوارير ; وهذا تشبيه عظيم بليغ يبين أن المرأة وإن أظهرت القوة والشدّة في بعض الأعمال إلا أنها من الداخل خفيفة وضعيفة وتحتاج لتقويم الرجل , وبقوامة الرجل وعظم دور المرأة في المجتمع وتربية الأبناء يتحقق بناء أسرة صلبة في المجتمع , قائمة على اتباع سنن النبي – صلى الله عليه وسلم – في معاملاته الأسريّة , وقوة الرابط بين الرجل والمرأة حيث أن الرسول – عليه السلام – توفي وهو على صدر عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها - , وفي السيرة النبوية عبر وحكم لمن يعتبر , ولكل عقل متدبّر , فصلى الله علي خاتم النبيين , وسيد المرسلين , والحمدلله رب العالمين .


"عبدالله العمادي - ١٢/٣/٢٠١١