الثلاثاء، 28 فبراير 2017

أفيون ريادة الأعمال في قطر

يقولون بأنّ لها سوق رائجة عند شرائح من الشباب المغلوب على طموحه، شرائح تتعدى أسواق المخدرات وغيرها من السموم، لكن من يدري إن كان هذا الأفيون أشد فتكًا للفرد من المخدرات. تلك مشكلة صحية ونفسية، وهذه مشكلة طموح وبناء واقتصاد.
بدأت على ما أذكر تنتشر حُمى ريادة الأعمال في عام ٢٠١٢م، وكنت ضمن فوج من الطلبة نتناول مقررًا في الإدارة وريادة الأعمال، وكان حينها يُطرح لأول مرة، في ذلك الفصل، بدأ ما يُعرف بـ "أسبوع ريادة الأعمال" وبدأت توجهات حكومية مؤسساتية بإنشاء حاضنات تستغل أفكار الشباب الطموح الواعد الذي يسمع أن الاقتصاد يُبنى على المؤسسات الصغيرة أكثر منه على العملاقة، ويُضرب دائمًا ذلك الأنموذج الذهبي الذي يُضرب في كل شيء (أمريكا).

المضحك والمُبكي أنني بعد مزاولتي لريادة الأعمال أكاديميًا وعمليًا، اكتشفت أن الموضوع فقاعة كبيرة فقط، والآن بعد مرور خمس سنوات تقريبًا، يُتداول أفيون ريادة الأعمال بشكل مضاعف أضعاف كثيرة عما كان عليه، وأصبحت كل جهة/مؤسسة تتبجج بأن لديها حاضنة لريادة الأعمال، وتتسوّل المبدعين وتصطادهم في المياه العكرة لتجذبهم لذلك الوحل.

أذكر على ذلك "حاضنة قطر للأعمال"، الجهة الأكبر والمدعومة بشكل يثير لُعاب صاحب الأفكار المميزة ليخطو طريقًا نحو عالم الأعمال والثراء، تلك الحاضنة ما إن تدخلها حتى تُثقلك بجبال من الالتزامات والأوراق والاجتماعات والمراجعات، حتى لا تعود تدري هل تمضي وقتك في مشروعك أم تمضيه في اجتماعاتهم!، كما أن المضحك والمُبكي في الموضوع أن الميزانية المخصصة للمشروع المشارك، لا تُصرف إلا في أمور معينة وبالقطّارة.

صديق لي، يحتاج مشروعه للسفر لمصنع في الصين لتجربة "نموذج" لجهازه المُبتكر، هل هذا ضروري لرائد الأعمال أن يُشرف بنفسه على اختيار المواد والمصنع والشركاء المحتملين لإنتاج جهازه المُبتكر؟ المنطق يقول نعم، والحاضنة تقول لا، لن ندفع لك تذاكر السفر، تستطيع الذهاب لنفسك، هذا الأمر لا يشمل الميزانية. رائع جدًا!

الحاضنة الرائعة الأخرى، والتي أختم بها هذا الوهم، هي الحاضنة الرقمية في وزارة الانقطاعات، نعم أعلم أن مُسمّاها يوحي بالعظمة، وكأن شركة ميكروسوفت جديدة ستولد من هذه الحاضنة المهترئة، هذه الحاضنة هي فقط طابق في برج، بها بعض الطاولات والكراسي، ويُقال لهذا المشروع اجلس هنا هذا مكتبك، في مساحة مفتوحة ليس فيها أي خصوصية أو مهنية؛ كأنها حضانة أطفال، يا لهذا التقريب!.

ما يحدث ويجب أن يحدث لكل مشروع لأن يعمل، أن تكون له رخصة تجارية تُصدر من الوزارة المعنية، وهذه الرخصة يعني أنه يجب أن يكون لديك عقد استئجار، ومكتب للعمل بمواصفات معينة، وبشروط تحددها الوزارة مع الدفاع المدني، الموضوع منظم ولا يدع مجالًا للعشوائية، الآن ماذا سيحدث عندما تريد أن تُصدر رخصة تجارية وأنت مكتبك عبارة عن طاولة وبضعة كراسي في مساحة مفتوحة في أحد الطوابق؟ يُرفض ذلك بطبيعة الحال وهذا ما حدث.

لكن كيف؟ أليست هذه حاضنة لريادة الأعمال! أليست توجد في وزارة بحجم وزارة الانقطاعات والتي تدّعي أنها من أكبر داعمي هذه الصنعة؟ أقصد تجارة الوهم. تخيل  يا من تقرأ، أن وزارة الانقطاعات (تحتال) على الوزارة المعنية في موضوع إصدار الرخص للمشاريع التي تحضنها، يقومون بإعطاء مشروع ما مكتب (وهمي) لمدة معينة لحين إتمام إصدار الرخصة ومرور مفتش الترخيص، ثم يعيد المشروع لطاولته وكرسيه، ثم يأتي دور مشروع آخر ليُعطى مكتبًا وهميًا لإصدار رخصة تجارية.. هكذا، بهذه الطريقة يكون دعم ريادة الأعمال.

هذا غيض من فيض، وأجزم أن الكثير ممن دخلوا هذا المجال وتعاطوا هذا الأفيون لديهم قصصًا مؤلمة ومُبكية، وبعضهم أصلًا يشغل مقاعد وثيرة في مؤسسات الحضانة، ولكن من يهتم لريادة الأعمال، ما دام المال يأتي من الدولة، والرواتب تمشي لهذه العصابات المُستغلة، ويبقى الشاب صاحب الفكرة والمشروع لا يدري في أي حائط يضرب رأسه.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق