الجمعة، 26 مايو 2017

{يُريد الله بكم اليُسر}

أول ليلة من رمضان، وقد أتانا خير شهور السنة وأجمل أيام الحياة الدنيا، في أيام رمضان ولياليها أحساس ومشاعر لا تستطيع وصفها الكلمات، فهي التي تُملي على الإنسان سكينة في الروح، وصفاء في الفكر، وخشوع في القلب؛

يجعله يشدّ الهمّة ويُهيّء الجسد للتلذذ بالطاعة.


 هذا التلذذ الذي يُعارضه الجسد في طبيعته، من حِرمان للطعام وهو موجود، وعدم كفاية للنوم ليلًا، والإجهاد اليومي للرجلين والرقبة في صلاة القيام، كل هذا الألم يتبدّل حاله إلى لذّة ليست من التعذيب في شيء، فكأن مكاره الجسد أصبحت شهوات، وشهواتها غدت مستقذرة، إنها نسائم الرحمة، فإن الجنّة حُفّت بالمكاره، ولكن أبوابها تُفتح، وإن النار حُفّت بالشهوات، ولكن أبوابها تُغلق، فهذا الذي تجده من انطفاء الشهوة الحيوانية، وسمُوّ الروح يتبعها الجسد إلى الطاعة الرحمانيّة، هو من ذلك، وهذا من كامل العطاء والرحمة والمنح الإلهية التي لا نُحسن شكرها ولن نستطيع.

عندما تقضي معظم وقتك في الطاعة، بين صيام وتلاوة للقرآن وتسبيح واستغفار، وصلاة وقيام واستماع للذكر وخشية في القلب، تعلم لماذا يُباهي اللهُ بالمسلمين ملائكتَه في هذا الشهر المُبارك، فنحن عندما نُنعّم للطاعة بفضل الله، نخرج من ضيق الجسد ووسوسة الشيطان، ونرتفع عن السيئات لنصل إلى درجة تعلو على درجة الملائكة التي تسبّح لله منذ خُلقت، فإن الملائكة لم يُعطوا الأجساد التي تفتقر لما يقوّمها من غذاء وشراب وشهوة، فعظيم الأجر والمباهاة التي يستحقها المؤمن تكون لأنه سمَا ونقّى جسده من الخبث ليصل لمرتبة إيمانية يحبها الله ويباهي بها.


النفس البشرّية تنقاد للصاحب في سلوكها، ومن المعروف أن الصديق يؤثر على صديقه لشدة ملازمته له، والفرد يتأثر بأسرته ومجتمعه لتربيته ونشأته فيها، فهذا الجَمع الذي يتصرف على طريقة معينة يُشكّل في تشابهه عقلية واحدة من العادات والسلوك والأخلاق والأعراف، لهذا يُدعى بالعقل الجمعي. العقل الجمعي له تأثيره الواضح، وهو الذي يجعل من لا يتذوّق ما سبق ذكره من اللذّة والخشوع يقوم مع الجماعة بما يقومون به من الصيام والقيام، يكون المشي مع التيّار هو القوة الدافعة لدى أولئك، فهم الذين اعتادوا العيش مع النّاس، والتصرف في سلوكيّات محببّة للنّاس، ومن أجل النّاس أنفسهم لا يستطيعون أن يختلفوا مع التيّار فيتأثروا بالعقل الجمعي، وهذا أيضًا من فضل الله عليهم، وحُسن اختبارهم واستدراجهم للطاعة، لكي يبتعدوا عن المسارات الخاطئة والسلوك الخبيث.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق