الأحد، 21 مايو 2017

زيارة لمقبرة الكتب القطريّة | مذكّراتي: الخميس ١٨ مايو ٢٠١٧

جميل أنني في كل يوم أقوم بتجربة شيء جديد يستحق داعيًا للكتابة، واليوم قمت في زيارة مبنى تاريخي كثيرًا ما كنت أمر منه في صغري وكان يذكّرني بأخي الكبير الذي مكث عديد أيامٍ من شبابه في هذا المكان، والآن المكان أصبح من الماضي الذي يود العيش رغم الظروف، ويا ليته لم يعش ولم يبقى كل هذا الحد.


هذا المكان المُسمّى بـدار الكتب القطرية، بناء صغير من التاريخ، حيث تقول أمي أنه كان موجودًا وليس حوله من شيء، ربما فقط أستاد الدوحة ومدرسة الدوحة الثانوية، وأستاد الدوحة معلم باقٍ لهذا اليوم، أما هذا الدار، دار الكتب فلم أكن أدري أنه مفتوحًا للزوّار لليوم، أشاهد التعليقات عبر تطبيق خرائط قوقل وهناك زيارات في الأشهر السابقة، سألت أخي عند الغداء هل ما زال المكان يعمل ومفتوحًا؟ قال أنه يُفتح في السادسة مساء، وأنهم كانوا يخصصون أيام الخميس للسيدات، مضحك جدًا، ما دخل الرجال والسيدات بأن يُخصص يوم لهم مع الكتب، إنها كتب وحسب، لا يهم، عقدت العزم على الذهاب ولأجرب، غادرت في العصر حوالي الساعة الخامسة، مررت من المبنى فوجدت مواقفًا دخلتها عُنوة وكانت للموظفين، مواقف موظّفين؟ مضحك جدًا والله، المواقف تمتلئ بالأعمدة، شيء من الماضي، لم أرَ شيئًا بعد، العجيب أن أسماء الموظفين مكتوبة على لافتات فوق كل موقف، هل ما زالوا أحياء؟ لا أخفي سرًا بأنني لم أجد أية سيارة لموظف، الأغلب أنهم أحيلوا للتقاعد أو للموت، كان الله في عونهم.

لففت حول المبنى فوجدت مدخلًا، أوه رجل أمن يجلس، قلت له هل المكتبة مفتوحة؟ أجاب نعم، ثم قال لي ضع حقيبتك في الخزانة وخذ المفتاح. الحقيبة فيها كمبيوتري المحمول وشاحنه فقط، وأحتاج لأستخدمه. لا تستطيع الدخول بالحقيبة، القوانين تقول هكذا. أجدّي أنت؟ هل يُعقل أن أخرج الشاحن واللابتوب وأمسكهما بيدي وأدع الحقيبة المخصصة لذلك؟ في أي عصر نحن؟. القانون هكذا وهذه الخزانة مخصصة لذلك. أخذته على قدر عقله بعد عتاب، وصعدت الدرجات، وجدت بابًا على اليمين يؤدي لغرف مكتبية، وهناك منضدة يعمل عليها أمين الإعارات، دخلت وتجولت في أحد المكاتب الأرشيفية، أصابتني صدمة ثقافية بمعنى الكلمة، أين أنا؟ ماهذه الأشياء؟ هل ما زال يوجد شيء مثل هذا؟، مكتب تقليدي ذو طاولة تملئ نصف الغرفة، كتب أرشيفية كبيرة الحجم بأغلفة ذات لون أحمر معتّق، رائحة الغبار والماضي تعبق في المكتب، شعرت أنني دخلت آلة السفر عبر الزمن، هي دهشة ممزوجة بشفقة على الكتب، وألم على عدم الاهتمام بكل هذه القيمة المعرفية، أخذت أصوّر بجوالي وأمشي بين الكتب ألقي التحية عليها، كانت تشكيني إهمالها، وظروفها غير الصحية، المكان رطب وحارّ، والمكيّفات تحتاج لأن تُرحم أيضًا لا أن تُصلح، كل شيء في هذا المبنى يحتاج لإسعافات وطوارئ، وا إيلاماه!، نزلت بوجه يخلو من أي تعبير، كان يرقمني ذلك الموظف الوحيد بنظرات غريبة، لم أعره شيئًا، كانت وجهي يبوح بالكثير علي ما أتوقع، غادرت المكان بعد أن أخذت حقيبتي ووضعت فيها محمولي المسكين الذي كان متكشفًا للعراء لأول مرة.


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق