الجمعة، 9 ديسمبر 2016

عندما يُسرق جيُبك وأنتَ تبتسمْ !

عندما تتجول في أجنحة معرض الكتاب تُواجه العديدَ من الوجوه، منها غير المكترث لأحد، كأن أحدهم ساقهُ كالحمار ليجلس في مكانه، ومنها من يقتنص فريسته من الشابّات ليبيع عليهم القصاصات العاطفية حدّ الغثيان، ومنها من يُعرض عليك أكثر الكتب مبيعًا لأنك واحد من الجمهور الذي يظن أنك تسير معه بلا رأي، ومنها ما يُنادي عليك لتتفقد بضاعته كأنه في سوق الخضرة "حيّاك يبه ترى عندنا خوش روايات"، وهناك من يقبع مسالمًا إلى الحد الذي يجعلك تودّ التصدّق عليه.
بعد زياراتٍ متعددة لسنوات، اتضحّت لي رؤية كنت أغفل عنها، أو كنت أظنها هي الحقيقة، ولكن الواقع خلاف ذلك، فتراني أسائل بائع الدار عن الكتب التي عنده وأعرفها، فتراه لم يقرؤها مع غرابتي الشديدة، فلا تظنّ أن الأخ الجالس بين تلك الكتب - وإن كان يبدو عليه التثقّف الزائد - مثقفًا، لأنه بائعًا في الأخير وليس قارئًا.

والكثير يتوسّم الخير في البائعين، لأن بضاعتهم هي غذاء العقل والخُلق، فتُسقط عليهم الصدق والأمانة، وقد يتبيّن لك خلاف ذلك وهذا حسن، وإن لم يتبيّن فمن المحتمل جدًا أنه نُصب عليك وأنت لم تشعر بذلك حتى كما حدث معي.
الذي حدث أنني أعددت قائمة الشراء مسبقًا وحفظتها في ملاحظات الجوال، وكنتُ بحثت مسبقًا في موقع مخصص للبحث في كتب المعرض عن رموز الأجنحة وأسعار الكتب في قائمتي، لكن مع عُجالة البحث والانشغال بتصفح الكتب نسيت أن أراجع الأسعار عند شرائي - يبدو ذلك غبيًا - ولكن هذا ما حصل، فُخدعت في أغلب الكتب التي اشتريتها، وعندما بدى لي أن أحدهم باع لي كتابًا بضعف السعر المُعلن عنه، ذهبت إليه في اليوم التالي وهذا ما حدث.

قلت: ألم تنفذ نسخ الكتاب (وذكرت اسم الكتاب الذي اشتريته)؟ كم تبيعه اليوم؟
قال: هذا بـ ٤٥ ريال وهمّ بإعطائي نسختين
قلت: دعه، قد أخذت منه، هنا شكّ في شيء وبادر بالقول: هو الآن بـ ٤٥ بعد الخصم!
قلت: قد بعته لي بـ ٦٠ ريالًا فكيف تقول الآن ٤٥؟ 
قال: هذا وقد خصمنا منه أصبح ٤٥، رددت عليه: ولماذا تبيعه لي بـ ٦٠؟ أريد فلوسي.
قال: لا عليك سأقوم بعمل خصم جيد لك في المرة القادمة. ولستُ أريد مرة قادمة أصلًا، أصرّ على موقفه النصّاب، وقد رضي به. ركّز معي لم يبرر كثيرًا. قلت حسنًا وانصرفت.

ذهبت بعدها مسرعًا إلى الاستقبال وطلبت المسؤول المختص عن الأسعار، فأرشدوني إليه، ذكرت له ما قلتُ آنفًا، فطلب مني عنوان الكتاب، أمليته فطبع تفاصيل الكتاب على ورقة وقال اذهب به إليه وقل هذا هو السعر الرسمي.

عدتُ إلى أخينا المُسالم، وأعطيته الورقة، قلت له هذا سعر المعرض أمامك! والآن أريد حقي. هُنا شعر بالكسر، كأنني صفعته بشيء.
قال: يا أخي هذا السعر من الأعوام السابقة، وهذه الطبعة التي اشتريتها جديدة من ورق كذا الفاخر، وسعره يختلف عن الموجود لديهم، ونحن نسلم لهم هذه الأسعار من قبل المعرض بـ خمس شهور ويحدث أن نحدّث الطبعات ونضيف عناوين أخرى ولا تتحدث لديهم. لم أرضَ بهذا القول وقلت أريد حقي، أنت بعته بسعر مبالغ جدًا علي، فأخرج المبلغ الزائد عن حقه ووضعه في يدي.

هُنا أخذت أحاوره، وفعلًا كنت أرى أن هناك مشكلة ما في هذه الحلقة، فاعترضت معه، وقلت: كيف يكون ذلك؟ يجب أن تكون الأسعار محددة من قبلكم وتُحدّث كل عام، فكيف تُجبرون على أسعار قديمة وأنتم لديكم طبعات جديدة؟

بعدها بدأ حديثًا مطولًا عن كيفية عمل داره في المعرض، وكيف أن الكتب تأتي بالشحن وتتكلف مصاريفًا، وأن سكنه ومواصلاته تتكلف مصاريفًا، وأجرة الجناح تتكلف مصاريفًا، وأن كل هذا - حسب قوله - لا يُضاف لسعر الكتاب، فيضطر هو للبيع بسعر أعلى من الذي مع إدارة المعرض. 

تعاطفتُ معه حقيقة، واضطررت للفكاك منه على كثرة تبريره وشكواه، وعدت أدراجي مرة أخرى لمسؤول التسعير الذي كنت عنده سابقًا وحدّثته بحديثي مع البائع. قال ساخرًا: "هو كدا الحرامي لازم يبربر كتير". وشرح لي أن الأسعار تُرسل إليهم من دار النشر قبل المعرض بشهر فقط، وأنها تُحدّث كل عام ولا تبقى من الأعوام السابقة. عندها تبيّنت تلك الحقيقة، والتي تتبلور في ذهني عبر التجارب وهي الدرس الذي استفدته من هذا كله.

والدرس هو: أن السارق لا يسرق وهو يقول أني أسرق، فيسرق ويبرر ذلك في نفسه أنه محتاج، وأن غيره قد سرقه. وأن الظالم لا يظلم حين يظلم وهو يعترف أنه ظالم، بل يبرّر فعله بأنه يأخذ حقه أو يقوم بتأديب الآخر والإحسان إليه.
حتى القاتل حين يقتل فهو يعتقد أنه يُطهّر العالم من نجاسة ذلك المقتول ويجعل العالم أفضل. وأعظم الجرم وهو الشرك بالله، فالمشرك وهو يشرك يظنّ أنه يتقرب إلى الله زُلفى وأنه من عباد الله الصالحين.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق