عندما تصل لمستوى أن تكون صاحب العمل، عندها ستُدرك قيمة السلطة، وعندما تمتلك عددًا قليلًا من الموظفين، وأنت تعلم - وهم يعلمون - أنه ليس هناك إلا أنت وحدك من يدفع رواتبهم، عندما لا يكون بينكم إلا عقد بسيط تتجاوزونه عُرفًا في العمل الحقيقي، بينما يكون ذلك العقد غير ضامن لشيء سوى أدنى الحقوق المرجوة، وأدنى التوصيفات الوظيفية، ولا بُدّ أن يكون الوضع أن يُذيّل ملف توصيف الوظيفية بشرط “إضافة إلى المواد المذكورة أعلاه، يجب على الموظف أن يقبل بأي عمل إضافي يُطلب إليه من صاحب العمل لما فيه مصلحة العمل”.
إلقاء الأوامر لا يخلو من لذة، ورؤية الأوامر تتبعها أفعال كما تُريد لا تخلو من نشوة تعلو على اللذة، وإذا لم يكن العمل كما ترجو فالأمر لا يخلو من سخط وتهكّم وعتاب، وربما عقاب وخصم. ماذا على الموظف المغلوب على أمره أن يفعل، عندما لا يملك الحيلة أو القوة القانونية ولا الاجتماعية ولا الإنسانية التي تخوله الدفاع عن حقه والوقوف شزرًا في وجه صاحب العمل المتسلّط والطاغي!.
إني أقول دائمًا إن الوظيفة في مجتمعنا لا تعدو أن تكون شكلًا آخر من أشكال العبودية والطغيان، أصبحت العبودية الجديدة لا تختلف عن سابقتها التاريخية إلا أنها تحتوي على الكثير من الأوراق والتواقيع القابعة في “دُرج” مغلق عند صاحب العمل فقط. في مجتمع يُشكله في غالبيته مغتربون، وبنسبة تفوق ٧٠٪ من إجمالي السكان، كيف لهذا المجتمع أن ينمو بشكل صحّي في ظل وضع يتحكّم فيه الأقليّة بحياة الأكثرية المهاجرة، تحكمًا مستبدًا في كافة أشكاله، بينما هو يعيش في رفاهية مُطلقة وتُلبّى فيه كافة احتياجاته ورفاهيته وزيادة على ذلك تدللّه وتسخطّه من الآخرين كما يشاء. ويكأنّ الله لم يخلق غيره في هذا العالم، ويكأنّ الرزق بيده يقلبه كيف يشاء، ويكأنّ الدنيا في حيازته، تبقى له كما يشاء.
يبقى التساؤل دومًا، هل من الممكن رؤية تغيّرات جذرية في المجتمع، بنشوء جيلٌ جديد يتفهّم ويُدرك معاناة الآخرين، ويحارب عاداته وموروثات آبائه، وهل سيصمد في ذلك أصلًا في حين يُحاربه من بني جلدته لاختلافه عنهم ومحاولة إرساء ثقافة مغايرة لما يعهده من التفرّد والسلطويّة والاستعباد؟
لا شكّ أن الزمن قادر على التغيير، وحيثما وُجدت تلك الفئة التي تخالف التيّار السائد في مجتمع غير صحّي، فسيؤدي ذلك الزحف والطَرق إلى تعرية العقول الصخرية، وسيجعل في تشكيلته الجديدة نصبًا آخرًا من نُصب التنمية.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق