الأربعاء، 21 يناير 2015

موقُف المسلم من الاستهزاء ْ

يُسيء الجاهلون فهم الأحداث برؤية صحيحة لأنهم مغلوبون على جهلهم، الجهل كما أقول دائمًا ليس جُرمًا ففي الإسلام يُعذر المسلم بجهله في كثير من الأعمال، لكن العلم بالجهل هو الطامّة الكُبرى، أن يبقى المرء أسيرًا لجهله وهو يظن وُيفاخر ويُكابر بجهله أيضًا فهذا والله أمرٌ عجَبٌ والأمرّ أنه واسع الانتشار.


لنأخذ مثالًا على ذلك ما جرى في صحيفة أوروبية حقيرة ذليلة، بقيام منتسبيها من السُخريّة بالمُسلمين بالطعن في القُدوة الأسمى  - صلى الله عليه وسلم - وهم بذلك لا يطعنون في شخصه أبدًا ولا يطالون ذلك، هؤلاء الحمقى الأراعن لا يعلمون عن خيرالرسل شيئًا فلو علموا حرفًا لما تجرؤا، لكنهم يُسقطون أفكارهم وانطباعاتهم عن المُتأسلمين الذي يظهرون لهم في إعلامهم الكاذب، فيتخذون بذلك ذريعة لهم في الطعن في المسلمين والمسلمون منهم برُءاء. 

هذا من ناحية فهم التصرف وتُربته التي نمت فيه، أما من ناحية موقف المسلمين منها فالموقف يُفترض أن يكون جليًّا لمن يكمنُ في قلبه حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتباعًا لهديه الذي جاء به، فمن لا يعلم المَحمل الشرعي الذي على أساسه يكون الُحكم العدل والسلوك السويّ كيف له زاعمًا أن يدّعي محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأفعاله المُشينة الخارجة عن كل خلق ودين.

فمما لا يخفى عن المتعلم والفاهم أن الاستهزاء لم يكن جديدًا عهده لا في هذا العصر ولا حتى في زمن النبوّة في مكة والمدينة، ولا يتوقف الاستهزاء في خاتم الرسل المُكرمين حيث قال تعالى في مُحكم التنزيل: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون}، وفي هذا جلاء أن الاستهزاء بالرسل سنة المُكذبين في كل زمان، ولا يضر ذلك الرسل فقد كفاهم الله شر المُستهزئين فأرسل عليهم عذابه وحاق بهم ما استهزؤوا به وأهلكهم الله، وهذه سنة المُكذِّبين. 

وموقفنا من هذه العملية بحُكمنا أفرادًا مُسلمين هو التجاهل والصدّ، مع الإنكار باللسان والقلب، بدليل العموم في حديث إنكار المُنكر، والتجاهل والصدّ بدليل قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} ١٤٠ - سورة النساء، وهي مدنية.

وتجدر الإشارة أن السور المكية نُزلت في مكة في حال ضعف المسلمين، فتكون أحكامها خاصة بحالة ضعف المسلمين، والسور المدنية نزلت في حال القوة، فأحكامها تخص المجتمع الإسلامي وتشريعاته وتُنظم أموره، وما يحدث بداخله، وعلى هذا إن كان المُستهزئ في دولة الإسلام فحُكمه القتل تعزيرًا ولا يقوم بهذا الحد إلا ولي الأمر أو نائبه وهذا عام لكل الأحكام الشرعية وإنكار المنكر باليد.

( ذكر القرطبي المالكي في تفسيره عن ابن المنذر قال: "أجمع عامة أهل العلم على أن من سب النبي ﷺ عليه القتل، وهو قول مالك وأحمد الشافعي" )

وفي هذا دليل في زمن النُبوّة في حديث ابن عباس:

فعلى ذلك يتضح موقف المسلم الصحيح، فالإعراض عن المُستهزئ هو الواجب طاعة لأمر الله تعالى وسنة نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم -، ويزيد ذلك العلم بأن الالتفاف للمستهزئ ونشر أمره يزيد من كِبره ويدل إليه الآخرين فيتكسب هو من ذلك كما حدث مع الصحيفة الحقيرة. فلا يجدر لعاقل إثارة المسألة بل يكتفي بالتجاهل وإنكار المنكر بلسانه وقلبه، وأن يُشمّر عن ساعديه لطلب العلم ومعرفة أحكام دينه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأن يدعو إلى الله ما استطاع ويبلغ عن النبي ولو آية. 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق