الأحد، 15 مايو 2016

شـيءٌ حـولَ اقـرأ ْ

كثير من الأخوة يستدل  بالآية الأولى في القرآن على أهمية القراءة، وإني كلما تأملت أكثر في السورة لم أجد شيء من القراءة فيها، ولا يقبل عقلي التسليم بأن القراءة هي ذلك الشيء العظيم الذي يستأهل أن يكون أول أمرٍ من الوحي. وحيث أنه دار حديث كثير حول هذا الموضوع، فقمت أخيرًا بالرجوع إلى التفاسير المشهورة حول هذه الآية.

كلنا نعلم، بأن هذه الآيات نزلت في بادئ الوحي، وفي غار حراء عندما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتعبّد، فنزل عليه جبريل بصورته، فقال له على وجه التنبيه: (اقرأ)، أي انتبه واقرأ ما سيُتلى عليك، فرد عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - :"ما أنا بقارئ"، أي لست بالذي أجيد القراءة لأقرأ. حتى تلى عليه الآيات المعروفة فكانت أول النبوءة، وفي قول آخر، النبوءة والرسالة.

ولكن لماذا أمرَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة، مع أنه لا يقرأ ولا يكتب، والشاهد هو أن المقصود ليست القراءة من كتاب، ولكن بالاستماع والترديد، ثم تبليغ هذا المسموع بقراءته على الناس باسم الله، أي من عند الله وذلك هو أول النبوءة، وفي قوله {الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم}، يستدل على عظم هذا المخلوق وهو (القلم)، حيث ذُكر في الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "أول ما خلق الله القلم ، فقال له: اكتب، قال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة"، وبقسم الله به تعظيمًا في سورة القلم {والقلم وما يسطرون}؛ كل ذلك تعظيمًا لأهمية القلم في تثبيت العلم ونقل العلوم وتبليغ الرسائل والدعوة وغيره. فهذه الآيات الأول نزلت على النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وذلك إثباتًا للمعجزة وأجدر بالتصديق، وفيها أهمية القلم وأنها وسيلة للتعلم وهي ليست الوحيدة.

وموضوع القراءة له من الأهمية الكبيرة لما فيه من تلقي العلم والاطّلاع والفهم، ولا يخفى ذلك على كل لبيب، والأصل في موضوع العلم والتعلّم هو الحفظ والتبليغ، فطريقة وصول القرآن والأحاديث المتواترة وخبر الآحاد ما يثبت العلم يقينًا وصلنا تبليغنا واستماعًا وحفظًا، ولم تدخل الكتابة بشكلها الرائج إلا في الدولة العباسية ومن بيت الحكمة تُرجمت العلوم ودُوّنت في كتب، ومن ثم كان تحصيل الحاصل من ذلك القراءة وتداول الكتب، ونقل المعارف.

قد نُعاني في وقتنا الحالي من ضعف القراءة عمومًا، ولكننا نُعاني أيضًا بادئ ذي بدئ من شُح الكتابة، قلة الكتب والمفكرين والتدوين والترجمة كل ذلك يفضي لبقاء الأمة في مستوى منحدر من الثقافة، ولا شكّ أن مفتاح تطور الثقافة ورقيّ الإنسان سيكون كما بدأ بالقراءة والاطّلاع وترجمة العلوم الحديثة، وإزالة تلك الحواجز الإسمنتية والحجر الفكري بما يُسمى الرقابة، بعد ذلك يمكننا التفاؤل بمستقبل أجمل، وإنسان أرقى، لعلنا نستعيد إنسانيتنا وثقافتنا، وتجري رحى الحضارة تباعًا.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق