الخميس، 21 أبريل 2016

سـرابُ الحـداثـة ْ

لم يشهد أي عصر من عصور التاريخ تغيرات وتطبيقات ومفاهيم علمية كالتي يُعاصرها الجيل الحالي ويستخدمها في يومياته. هذه الطفرة التقنية التي دخلت عليها من أوسع أبوابها، فتسكّعت في البيوت واستبدّت بالعقول ونشرت ثقافة الخمول والقصور.

ما هو هدف الاختراعات والتطورات التقنية في حياتنا؟، العوامل الثلاثة الأكثر شيوعًا والتي تُستخدم عند وصف أي تقنية أو اختراع هي أنها تختصر (الوقت - الجهد - المال).

في الحقيقة أن هذه العوامل التي تزعم التقنيات أنها تتغلب عليها وتختصرها، إنما يكون في الجانب الاقتصادي فقط، ففي علم الاقتصاد، ولنأخذ على سبيل المثال، مزرعة قمح يشتغل بها عشرة مزارعين، تُنتج هذه المزرعة سنويًا عشرة أطنان من القمح. وهكذا فإن كل مزارع يُنتج ما مقداره طن واحد فقط من القمح. والآن تصور أن صاحب المزرعة استثمر في آلة تقنية حديثة تقوم بجني القمح وأدخلها في الإنتاج، فأصبحت المزرعة تُنتج بنفس عدد المزارعين خمسين طنًا من القمح. هُنا يُمكن القول فعلًا أن هناك تطورًا تقنيًا. حيث ازدادت الأرباح بنفس تكاليف التشغيل، ويمكن أنها تختصر الوقت إذا استُغني عن خمسة مزارعين مع ثبات إنتاجية المزرعة من المحصول، وهكذا.

ولكن في حياتنا اليومية، هل يهمنا هذا الجانب الاقتصادي الذي يُستخدم في تسويق كل منتج على أنه تطور تقني؟

السيارة على سبيل المثال لا شك أنها تقنية مذهلة، ومع أنها تقطع الأميال العديدة في سويعات قليلة، إلا أن العربات ذات الأحصنة كانت تفي بالغرض! وكلما ظل الإنسان أنه يختصر من وقت يومه في استخدام هذه الاختراعات إلا أن الحقيقة هو أنه يضيع الوقت الكثير على أشياء أخرى، تجعل فائدة الاختراع وهمية.

وأقرب مثال على ذلك الجوال، فكيف أنه اختراع يختصر الوقت الرهيب ويجعلك أقرب من كل شخص في العالم لتحادثه في ثواني معدودة، إلا أن الحقيقة أن الأشخاص وأقرب الأقرباء ازدادوا بُعدًا، وضاعت معظم الأوقات من غير نفع.

حتى الطائرة والتي هي حلم، أصبحت كل بلادين العالم على مسافة يوم أو يومين فقط بالطائرة، إلا أن العالم أيضًا يفقد توسعه، وعندما تعرف أنك تستطيع الذهاب إلى أي مكان في العالم، بعد تجارب قليلة، ستمل هذا الوضع، وستفقد تلك المتعة، فكيف يضيق هذا العالم علينا على اتساعه، وكيف تقرب المسافات والعادات والثقافات على تنوعها. عندما لا يوجد ما تستكشفه أو تستصعب فعله فلن يكون للحياة أي متعة!.

ومن هُنا فأود القول أن معادلة السعادة والرضا لم تكن أبدًا بتقليص تلك العوامل الثلاث ( الوقت - الجهد - المال)، فالإنسان يشعر بالسعادة كلما استغل وقته في عمل شيء يحبه، وكلما بذل مجهودًا أكبر ازداد معدل رضاه عن ما يقوم به، والمال أيضًا لم ولن تكون السعادة أبدًا في الازدياد منه، واسأل الأغنياء الذي يجدون السعادة كل السعادة في التصدق بالمال وإنفاقه لمساعدة الآخرين وليس على الذات، أو في اقتناء ما تشتهيه النفس وتتلذ به العين.

معادلة السعادة  = وقت + جهد - مال



ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق