الاثنين، 20 أكتوبر 2014

حُسنَ الخِطابْ

اللغةُ عمليةٌ عقلية متراكبة ومعقدة، فممّا لا شكَّ فيه أن الحديث عبر لغةٍ مفهومة  - تحوي كلماتًا وتعابيرًا تعبّر عن أفكار ومشاعر بهدف إيصال معلومة أو شرح عملية - هو عملية لا يمتازها إلا البشر، فالحيوانات وإن كانت تتخاطب بإشارات وإيماءات وأصوات خاصة إلا أن كل هذه العمليات لا ترقى لمفهوم اللغة؛ وعليه فعلى الإنسان أن يشكر نعمة الله عليه بأن علّمه وفهّمه وميّزه باللغة والكلام، فلا يتحيْون بالحديث وليرقَ كما كرّمنا الله.

فنحن - البشر - عندما نتخاطب لا نُدرك كل هذا التعقيد الذي يجري في نفسية وفيزيولوجية الجسم والعقل، ولربّما لم نُحسن توجيه حديثنا بالشكل الذي يتلقّاه الشخص الآخر، وهذا أصلُ النزاع الذي ينشأ بين المُتحاورين، فإن كان كلّ فرد يستطيع قيادة دفّة الحديث بما يُخاطب عقل الآخر ومنطقه، وإن كان الآخر يتقبل الحديث بعقلية ومنطقية، فلن يكون هناك خلاف حول الحديث، ولن يسوء الأمر، تخيّل أن أحاديثنا ستنتهي باستماعنا قول الآخر وقول ما نُريد فحسب. لا جدال ولا صراخ ولا قلب لطاولة أو رمي لكرسي كما في الاتجاهات المُعاكسة.

فتواصل الأفكار العقلية عبرَ الحواسّ لتناقُلها من شخص لآخر هو ما يُعرف بالكلام، وإن كان أكثر الكلام لا طائل منه !. فهذه الأفكار يجب أن تُساق بمفهوم يُعبر عنها، وهذا ما يُعرف بالمصطلح، فعند الحديث، قد تختلف فكرة ما بتشابه للمصطلحات عينُها، فعندئذ وقبل الخوض في آثار هذا المُصطلح وكيفيّاتها، يجب تنقيحه والاتفاق بين العقلين المُتحادثين على فكرة واحدة، وهذه العملية أعرّفُها بالتأسيس.

ثم حين الحديث، ولكي يُفهم الآخر، يجب أن يكون الكلام مُتسقًا، ومحدودًا في الفكرة التأسيسية من غير خروج عن أصلها والتشتيت، وهذه العملية أعرفها بالتحديد، وتزامنًا مع عملية التحديد من الطرف الأول، فإن على الطرف الآخر أن يُنصت ولا يُقاطع أمواجَ الأفكار من التدفّق، وهذا ما يُعرف بالإستماع - والمعروف لا يُعرّف. وحين ينتهي الحديث الطرفيّ فيستطيع الطرف الآخر طلب توضيحات عن القول الآنف، أو التأكيد على ما جاء فيه من حيث فهمه، وهذا ما يُدعى بالتغذية. 

وهكذا تستمر العمليات المحورية السابقة الذكرِ لحين انتهاء الحديث، فيا لحُسن هذا الحديث ويا لِعظم فائدته التي نفتقدها، هذا الحديث عملية تواصل فقط، ليس هناك في ختامها منتصر وغالب كما يظن البعض، الحديث تواصل وحسب، يخرج منها كل طرف مُشارك بفائدة وأفكار جديدة تناقلها من الطرف الآخر، وهذا هو زُبدة الحديث.


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق