الأربعاء، 30 يوليو 2014

كـانَ والآن ْ

عندما كُنتَ صغيرًا كنتَ ترى كل شيء كبيرًا وإن كان حقيقةً غير ذلك، فكانت دائمًا الفرحةُ أكبرُ والسعادة تأثيرها أعمق.
عندما كنت صغيرًا كنت تعيش في عالمِكَ الصغير، لم تكن تتذق طعم الحقيقة العلقم.

كان العيدُ سابقًا فرحةً غامرةً، كُنا لا نسهر الليل وُنطوي ملابسنَا الجديدة جاهزة نتأمّلُها وننتظر الصباح، كُنا لا ننام الليل لهفةً، ومع إشراقةُ الصباح نسرع لمعايدة أهلينا ونحن نرتجي شيئًا واحدًا؛ بالطبع العيديّة. كانت العيدية قليلة ولا تُقارن بين ما هي عليه الآن، كُنا نفرح بالعشرة ريالات، والخمسة، وكُنا بعدها نخرج من البيت مع أخوتنا ونطرق أبواب الجيران، وكان ريالًا واحدًا يُشعرنا بالإنجاز، وإن كان ريالان أوه منتهى الكرم. كُنا نجمع الأربعين والخمسين حصيلةَ المُعايدة على البيوت، كان ذلك أفضل جزءٍ ربما في العيد.

في ساعة الغداء، يقدم أبناء العمومة والأصدقاء المقربين لتناول الغداء، كانت هُناك حياةً في الغداء أفتقدها الآن، كان الطعم مُختلفًا دائمًا مع تشابه الأكل، بعد الغداء يخلو المجلس إلا من المُقيّلين، كانت قيلولة جماعية على كنَبات المجلس حتى العصر.

بعد العصر ننطلق في سيارتين أو ثلاث إلى بيت الجدّة الأكبر، وهُناك يجتمع الخوال والخالة وأبناؤهم، بعض الوجوه لم تكن تُرى إلا حين العيد، وربما ليس كلّ عيد!، نبقى هُناك ننهل الأعادي ونلعب، وكانت العادة واجبة أن نذهب للدُكان، نبتاع الآيسكريم والمُفرقعات وعُلب الرش الصابوني، كان العيدَ طعمُه في تلك المُشاغبات الطفولية والعبث وتوسيخ الثياب، حتى ما إن تعود إلى البيت ترمي الثوب وتذهب للنوم العميق. 

الآن نستقبل العيد بحزنٍ تتخلله سعادة مُصطنعة، نبقى ساهرينَ الليل بسبب العادةَ، حتى ما إن ننتهي من صلاة الفجرِ أكوي ثوبي وغترتي على عُجالة، وأغتسل للذهاب لصلاة العيد، مُكبرًا في طريقي وفي المسجد حتى يخرج الإمام.
نمضي الصباح جالسين في المجلس، نستقبل نفس الوجوه الصباحية في كل عام، نتناول الإفطار ثم نستقبل جماعة تأتي كل عيد في نفس الوقت، وبعد ذهابهم يفضى المجلس، ويذهب الوالد والأخ الأكبر لاستكمال جولاتهم وزياراتهم، بينما أعود للاسترخاء إلى حين الغداء. في الغداء لم يعُد يأتي أحد، كل عائلة كبُرت وأصبحوا يكتفون بعددهم، لا أتناول الغداء غالبًا، لم يعد له طعم.
بعد الغداء يأتي نومٌ قد يطول ويطول، فلا نذهب جماعة لبيت الجدّة، أصبحت أذهب متى ما أردت لوحدي، نذهب هُناك للجلوس مجددًا ورؤية الوجوه التي ما فتئت تُرى في العيد فقط، يزداد عدد الأطفال بشكل فوق الملحوظ، الإنتاج يكثر ويكثر، كم أغبطهم على فرحهم ولعبهم، بينما أبقى جالسًا وفي الغالب صامتًا. بعد المُعايدات وحلول المساء لا يحدث شيء، نعود للبيت ونتحلطم على الاعتيادية المملة التي نعيشها، وننغمس في الهواتف إلى أن يفرجها الله.

هناك 3 تعليقات :

  1. إلى اليوم أشعر أن لا فتاة كانت سعيدة مثلي بقدوم العيد، أذكر أني كنت أنتظر العيد بفارغ الصبر وما أن يعلنوا بأن غداً العيد أركض وأرقص وأصرخ .. ولا أبالي بأحد، قدماي لم تكن على الأرض كنت كالطير أحلق في سماء فرحي، بعدها تقوم أختي بنقش الحناء على يدي وأمي تقوم بوضعه باطن قدماي، الحناء ورائحتها كانت سعادة أخرى لدي، كان من المستحيل أن يكتمل عيدي دون حناء، وإلى الآن ..بعدها لا نوم يأتيني ولا أنا التي أستطيع الحركة بسبب الحناء فأقوم بتأمل ملابس العيد التي ربما كانت أقل من عادية لكني كنت أراها أجمل من فساتين الملكات، أتخيل وأتخيل كيف سيكون صباح غد إلى أن يستسلم عقلي وأنام.
    أما في الصباح فهذا حلم أصبح حقيقة، وهذا يوم انتظرته طوال رمضان! أتزين وأخرج مع أخي وصديقاتي لنطرق أبواب الجيران فيقومون بتوزيع العيدية، أحياناً حينما كنا ننتهي من بيوت منطقتنا نذهب إلى منطقة أخرى والذي يجمع خمسين فهذا إنجاز!
    أذكر أني كنت أذهب لراعي البقالة الذي يدعى "عبدالله" والذي كان يحبني من بين جميع الأطفال لأني كنت على حد قوله أشابه ابنته التي تسمى "سمية" على اسمي ! كنت أذهب لبقالته حتى أشتري دمية "باربي" وهذه اللحظة كانت جمييلة بالنسبة إلي، لأني حينها كنت أقوم بتحقيق إحدى أمنياتي، أحلامي وأمنياتي بسيطة مثل الحصول على دمية!
    مهما أسترجع ذكرياتي قد لا أوفي حقها بالكتابة لأنها أجمل من أن تكتب، كانت أجمل حياتي.

    أما الآن فلا الأحلام كما كانت، ولا جمال الزمن نفسه، شعور أن قدماي لم تكن على الأرض شعور أفتقده جداً، أتمنى لو أشعر يوماً بتلك السعادة التي لا شبيه لها فعلاً.

    عذراً لأني أطلت، قد يأتي غيري ويقرأ حروفك فيمضي، لكني أشعر بما هو بين السطور، لم أوفق في تعليقي لكنها من قلبي صدقني.
    تدوينتك هذه المرة عميقة، شكراً لأنك كتبتها
    وأحسنت .. حروفك رائعة بحق.

    - سمية

    ردحذف
    الردود
    1. كمية جمال يا سمية، جمال حقيقي ببساطته ويُسره، الجمال لا يحتاج للكثير من التعقيدات، والأجمل هي تلك الأمنيات الصغيرة والتي نراها الآن تافهة ربما، لكنها كانت تعني سعادة لا نعرفها الآن.

      تعليقك يحمل شيئًا من قصص الصغار القديمة، استمتعت بقراءته، شكرًا لأنكِ لا تبخلين بالإضافة والتعقيب، فهذا يعني الكثير.

      حروفكِ أروع بحق، وشكرًا لتوصيتي بهذا الموضوع للكتابة.
      امتناني.،

      حذف
    2. صحيح قد تكون أمنيات تافهة، لكن يكفي أنها جعلتنا نشعر بأننا نملك كنوز الدنيا.
      عفواً، تدويناتك الرائعة هي التي تجبرني على إعطاء ما لدي ولو كان قليلاً وبسيطاً.
      استمر، ودمت بخير.

      حذف