الجمعة، 20 يونيو 2014

الــدُّعــاء ْ

الدعاءُ من أعظم العبادات وأيسرها، بل هو لبُّ العبادة وأصلها، وكثيرًا ما أُبدل الدعاءُ بالعبادةِ في مواضعَ كثيرة من القرآن الكريم، والعاجزُ هو من يبخل في الدعاء.

الدعاءُ هو النداء الذي يكون من الأدنى مرتبةً إلى الأعلى، والله هو العليُّ القدير، ولا يعلوه شيء، وهو مع علوّه أقربُ ما يكون للعبدِ في سجوده، ويتنزَّل تنزّلًا يليق به - سبحانه وتعالى - فيقول "هل من سائل فأعطيه، هل من داعٍ فأستجيب له". فما أعظم هذا الإله، وما أرحمه. 

على هذا فيجب للعبدِ الدعاءَ كما علّمَه إمامه وقُدوته محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فالدعاء عبادة، والعبادات توقيفية، أي نتوقّف فيها مُتّبعين غيرَ مبتدعين، وأهم شروط قَبول العبادة هو الإخلاص بالله، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم.

وشروط الدعاء ثلاثةُ: أولها الإخلاص لله، فلا يجوز الدعاء إلا له، ولا يُشرك معه لا ملكٌ مُقرب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح، فكل هذا شركٌ بالله. وهو أعظم المعاصي، وأمّ المحاذير.

ثم على الداعيَ أن يعزمَ في الدعاء ويُعظم في الرغبة؛ ومن هنا يأتي المحذور الثاني وهو مخالفة هذا الشرط.
فعلى الداعي أن يقول "اللهم إني أسألكَ الفردوس الأعلى من الجنة"؛ وهو أعلى مراتبها، كما قال عليه الصلاة والسلام : (فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة).
ويجب الإلحاح في المسألة والجزم بالقبول، فمهما عظُم دعاؤك فإن المدعو أعظم، فقدّر الله حقَّ قدره. ومن هنا أنبّه على مسألة هامّة وخطأ شائعٍ عند كثير من الناس وهو الدعاء بـ (الله يوفقك إن شاء الله، ما تشوف شر إن شاء الله.. وهكذا)، وهذا مما أستكرهه، ففيه مخالفة الإلحاح والعزيمة والرغبة، فانتبه لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفرلي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه) - صحيح البخاري.

وأخيرًا فلا يجوز الدعاء بالشرّ، كأن يدعو على أخيه بانقاطع الرزق، أو قطيعة رحم، وأن لا يتعجّل الإجابة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال : يقول : قد دعوت، وقد دعوت فلم أرَ يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء) -صحيح مسلم.

هذا وإن مُبتغى الداعيَ استجابةُ دعائه، فهل إذا لم يُستجب له يترك الدعاء؟، نعوذ بالله من الخُذلان. فلنعلم أن الدعاء لا يُستجاب دائمًا، فالخيرة فيما قدّره الله، وقد يُبدلنا الله خيرًا مما طلبنا فهو أعلم بنا، وقد يحبسُ الله الدعاءَ إلى يوم القيامة، فيرجع على صاحبه بالأجر الوفير، فيقرّ عينه، وقد يحبسُ الدعاءُ شرَّا قُدّر للداعي، فيَرد هذا الدعاءَ ذلك الشرّ إلى يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لَيَنْزل؛ فيتلقاه الدعاء، فيعتَلِجَان إلى يوم القيامة) - مستدرك الحاكم.

وهذا ردُّ على الدعاء المنتشر بين الناس ويُقال فيه "اللهم إني لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللطف فيه". 
وهذا القول فيه مخالفة محذورين من محاذير الدعاء، فالأول مخالفة العزيمة في الدعاء، والدعاءُ يتعاجل مع القدر، وهذا الدعاء لا يُعظّم فيه أصله فهو قبيح تمامًا، ثم إن اللهَ لطيفٌٍِِ بعباده، فعلى الداعيَ إن أراد صرفَ بلاء قد يحدث له أن يقول "اللهم رُدّ علي هذا البلاء، ولا تُقدره علي" ولا يقول "اللهم الطف علي فيه" كما في الدعاء الشائع المذكور. 

هذا والعلمُ عند الله، إن كان ما قلته صوابًا فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان. اللهم صلّ على نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم.

هناك تعليقان (2) :

  1. الدعاء عبادة قد لايعرفها الكثير، أعرف شخص كان ميئوسا فنصحته بالدعاء واللجوء إلى الله، رد قائلاً: "إن كتب لي الله رزق فسأحصل عليه من دون دعاء!" هذا أكبر خطأ يقع فيه المسلم صحيح الرزق مكتوب وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ولكن السعي والدعاء هو الذي يجلب الرزق، لا شيء يأتي دون سبب، الإنسان إذا أراد شيئاً فمن المفترض أن أولى خطواته يكون بالدعاء والتوكل على الله مع اتخاذ الأسباب.

    أثق أن الدعاء أولاً يحتاج اليقين الصادق بأن الله لن يرد عبده خائباً، فإذا ظن العبد بربه خيراً حدث ذلك والله عند ظن عبده به، مرات كثيرة دعوت فيها ربي من كل قلبي وبيقين كبير أنه لن يخذلني وفعلاً حدث ذلك، كثير من الذين أعرفهم كانوا في مصائب محزنة دعوا الله فأمطر عليهم رحمته.
    على المؤمن بالله أن يؤمن بأن الله لا يرد الدعاء وإن لم يتسجب له فذلك خير بالتأكيد، لأن الله لايكتب إلا خيراً لعبده، جعلنا الله راضيين بقضائه وقدره. حتى الحمد قد ترى من لم يستجب له دعاءه يتضايق ويفقد الأمل، والمفترض أنه إذا استجيب لنا فنحمده وإن لم يسجيب لنا فنحمده أكثر وأكثر لأنه منع عنا شراً .. وقليل من عباده الشكور.
    أذكر آخر يوم لي في المدرسة، كنت في اللجنة أقدم آخر امتحان الثانوية العامة وما أن انتهيت وضعت ورقتي على جنب، سمعت كثير من المعلمات يقلن أن طلاب العلم تحفهم الملائكة لكن ولأول مرة في حياتي كلها استشعرت فعلاً أن الملائكة تحفني، جائني إحساس أنها لحظة يستجاب فيها الدعاء، فرفعت يدي وحمدته على أن الأيام مضت على خير ودعوته بأشياء وأشياء، دعوت ودعوت حتى دمعت عيني فرحاً وحزنا المضحك أن الطالبات اعتقدوا بأني أبكي لصعوبة الإختبار وفي حقيقة الأمر كانت دموع فرحة لأني انتهيت من الامتحانات ودموع حزن كوني سأغادر هذه المدرسة، خرجت من لب الموضوع ما أردت قوله أن كل دعوة دعوتها ذاك اليوم استجيبت! ودعوة منهم استجيبت في نفس اليوم! ربي كريم لم يردني خائبة، وكثير مثل هذه المواقف حدثت لي ولغيري، عطاء الله علينا كثير أكثر من أن نمضي حياتنا كلها ونحن نشكره.
    عذراً على الإطالة، أحببت أن أشاركك.
    - سمية

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا لهذه المشاركة القيّمة، الحمدلله على رحمته وتفضله علينا.
      بارك الله بكِ وفيكِ.

      حذف